* تحذير قد يكون المحتوى ذو حساسية
حكايتى النهاردة هي حكاية شخصية، بس متهيئلى بتمس كتير من الستات فى حياتهن اليومية!
فى مارس 2022، كنت في زيارة بحثية في واحدة من محافظات صعيد مصر، بس خليكن/م عارفين إنى من القاهرة، وديه يمكن تكون ثالث مرة أروح فيها الصعيد.
فى واحدة من جلساتى البحثية، سألت بعض النساء عن تجاربهن مع ركوب المواصلات العامة، ولأغراض بحثية خصصت سؤالى عن (الميكروباص)! للى مش عارف ايه هو الميكروباص هو وسيلة تنقل متعارف عليها فى السياق المصرى، وبيتغير اسمها حسب المحافظة، وهو ببساطة أتوبيس صغير حمولة 14 راكب، و بيعتبر وسيلة نقل خاصة. في ناس بتقول إنه وسيلة غير رسمية رغم وجود تنظيم ورخص قيادة وتسعيرات/أجرة موحده.
عامة، ده مكانش سبب أختياري للسؤال عن الميكروباص، انا أخترت أسأل عن تجاربهن مع الميكروباص عشان منتشر، و أسهل حاجة بنعرف نركبها بس ضيق! وبما إنه ضيق إحنا بنتزنق، بنتزنق أوى. يعني أمر طبيعى جداً وانتى داخلة تركبي أو نازلة من الميكروباص إن وشك يحتك/ يخبط في طيز شخص آخر أو العكس! عادي بقى يا شباب، موصلات عامة هنساع بعض و هننسى مفهوم المساحات الشخصية. عامة، في مصر، مساحتك الشخصية بتسيبيها على باب البيت أول ما تاخدى قرار انك تركبى موصلات عامة.
المهم رجوعاً للجلسة … و اللى بيسموها الباحثين (مجموعات بؤرية) (اسمها دايماً بيضحكنى)!
واحدة من الستات ردت عليا، وقررت تبدأ كلام وهى فى منتهى الغضب وقالت: ” يا أستاذة احنا بنتبهدل” و بدأت تتكلم عن التصاقها بالناس اللى جنبها فى الكرسى أو الكنبة، وأشتكت من تحرشات الركاب ومضايقات، وبواخة السواقين ومن غير ما تحس بدأت تتكلم عن التحرش فى حياتها اليومية بشكل عام، بمجرد خروجها من بيتها. وأنا فى دماغى أه يا أختى مين سمعك!
قد ايه المواقف اللي حكيتهالي الست دي كانت حزينة ومشابهة للي أنا بتعرضله، برغم وجودنا فى مدن مختلفة! كل ما كانت تحكي كان صوتها بيعلى ومشاعر الغضب بدأت تسود على المكان. حاولت أخفف من المشاعر دي بس حٍسى الهزلى مقدرش يكمل معايا أكتر من كده (سلاااام) …
كل الحاضرات سمعوا بهدوء وتعاطف المواقف اللي بتحكيها المشاركة الأولى، وفى محاولة منى إني أطمنها أنها فى مكان آمن، شكرتها انها شاركتنا التجربة. بعدين واحدة تانية حبت تشارك، وبدأت تتكلم: “زى ما انتى شايفة انا مش محجبة و ده بيخلى نزولى الشارع أصعب لأن الناس بتعاكس أكتر بسبب اللبس مع إني مش بلبس حاجة مفتوحة …….. “. اتضايقت شوية لإنها مضظرة تبرر هي بتلبس إيه وهى نازلة الشارع عشان محدش من الحضور يفتكرها بتلبس مفتوح، وبالتالي يفتكر إنها تستحق التحرش.
استمرت الست فى الكلام، بس أنا للإسف مقدرتش أستمر فى الإستماع. سرحت وبدأت أفكر في سؤال ببعيد نفسه في دماغي .. “هي أجسادنا دي مٍلك مين؟”….من يملك أجسادنا كنساء؟ و بدأت أنا في رحلة من الذكريات الغير سارة بالمرة (زى ما تقول باااد تريب)!
أفتكرت المرات اللى أتمنيت فيها لو إن جسمى يختفي تماماً كل ما حد بيبص على صدرى وهو بيتهز فى الأتوبيس مع كل مطب… أو لما الراجل اللى جنبي يقرر يقرب جسمه منى في أمل مريض انه يحس بالاهتزازات ديه.
أفتكرت كل المضايقات، و الكلام اللى سمعته من ناس فى الشارع عن شوية من خيالتهم الجنسية تجاهي .. (ياما نفسى أ**ك الطيز ديه).. ومش تجاهى أوى تجاه بعض الاجزاء فيا .. أظن كلنا عارفينهم، هم تلات أجزاء بالتحديد! أفتطرت إواي كنت بتمنى بمنتهى البراءة انى أمشى في الشارع عادي من غير مضايقات أو تحرشات.
أفتكرت لما كنت بتمنى أني أكون أرفع .. (من باب العلم بالشئ انا حجمي كبير شوية ، وعندى بعد الثنايات هنا و هناك.. تخينة يعنى مش عيب) .. بس أنا لما أتمنيت أكون أرفع، كان مش علشان أنا عاوزة أكون رفيعة لكن كان عشان أعرف أجري فى حالة الخطر، أو أركب الاتوبيس من غير ما جنبي (حتت لحم/دهون زيادة فى الفخد من فوق) ياخد جزء من كرسي الشخص اللى جنبي فيبتسم/ تبتسم و تقولى “حلوة بس لو تخسى شوية” بكل أريحية و استحقاق…. وسماجة!
أفتكرت الإيام اللى عدت عليا و انا بتمنى أنى أكون أقوى عشان أعرف أرد، أو أوقف كل المضايقات والسخافات ديه.
أفتكرتنى كمان وأنا الطفلة أم 12 سنة اللى قررت تتحجب عشان جسمها أكبر من اللى حواليها. الطفلة اللي إتعلمت إن شكلها “ملفت” و إن ده غلطها هي لإنها طلعت بنت عندها صدر و طيز زى كل الخلق….. و أفتكرت إنى عشت سنين بكره حجابى وعمرى ما قدرت أقلعه. وأفتكرت ان جاتلى الجرأة فى يوم انى أمشى من غير الحجاب وقد أيه كنت مُحرجة وحاسة انى عريانة، ومتخيلة ان كل شخص معدى من جنبى بيقول عليا شرم%$*ة….أيامها كنت فاكراها شتيمة ;)!
أفتكرت انى فى أوئل عشريناتي حسيت برغبة جنسية وحسيت إنى نفسى أستكشف جسمى وأشاركه مع شخص آخر. وإفتكرت إزاى منعت نفسى عن ده لمجرد خوفي من رده فعل الناس حوليا وخوفي من إنى مش هعرف أعيش مع أحساس “العار” …. العار من الإحساس والحق في الإستكشاف!
قطَعت شرودى إحدى المشاركات لما سألتنى بلكنتها الصعيدية: ” طب والتوكتوك يا أستاذة”؟
الجلسة إستمرت ساعتين، وأنا لسه كل اللى بيدور فى مخي: من يمتلك أجساد النساء؟
بس علشان أنهي الدايرة اللي دخلت فيها نفسي دي، فكرت نفسي إن حتى لو في ناس كتير في حياتنا فاكرين إنهم ليهم حقوق الملكية على أجسادنا، ده ما يمنعش إننا كستات نستسلم لده! لازم ناخد خطوات ثابتة في رحلة من الإدراك واستعادة ملكية أجسامنا. هي أكيد رحلة صعبة جداً ومستمرة، بس مهم إن خلالها نكون أكثر رفقاً على نفسنا، ونعرف إن الانظمة الأبوية الذكورية اللى كبرنا فيها، مش لازم ابداً تكبر فينا!
امتلاكنا لأجسادنا كستات، أو أطفال أو أفراد، كمان مش معناه بس اننا نقدر ناخد قرارتنا فى نلبس ازاى وايه وامتى. أو اننا نختار شركائنا الحميمين أو العاطفيين أو الجنسيين بحرية. امتلاكنا لأجسادنا معناه كمان اننا نوقف إحسسانا بالذنب عن كوننا موجودات/يين وبنشغل مساحات. إننا نكسر فكرة إن احتياجاتنا عار، ونقتل خوفنا من ان كل اللى حولينا من حقهم يحكموا علينا.
فرجوعاً بقى للسؤال.. من يمتلك أجساد النساء؟ …. النساء بس يا حبيبتى، النساء هن من يمتلكنها. أخدت ملاحظة بالإجابة، وقلت لازم أحاول أفكر نفسي واللي حواليا بيها أكتر!
تعودوا بالعافية!