لما كنت صغيرة .. كنت دايماً أتساءل: ليش أخواتي الصبيان عم يعملوا شغلات أنا محرومة منها؟ وليش في مسؤوليات بتنزت (تترمي) عليي دوناً عنهم؟
ليش أنا دايماً بسمع كلمات الـ(عيب، لا، مابيصير)، ولما بسأل عن السبب دايماً بكون الجواب: لأنك بنت! وكأنها مسبة! (شتيمة)
طيب ليش اللغة بتقوم على تمجيد المذكر؟ حتى الأمثال الشعبية بتحكي عن المرأة كمثال للضعف، فإذا كنتِ قوية وبدنا نمدحك، بنقلك “أخت رجال” أو “مرأة، ولكن بمية رجال”
وإذا كنا بدنا نشتمه للولد، أو نعلّق على ضعفه بنقله: “شبك صاير متل النسوان؟” أو “خليك زلمة!”
لما كبرت شوي وبدأت أبحث، اكتشفت أنه هاد كله والأكتر منه بكتير راجع لشي اسمه (النظام الأبوي) اللي بيحكم العالم، وبيحكموه الرجال، وكلشي فيه بيدور حواليهم هنن؛ من السلطة، للقوة، للتمييزات على كل الأصعدة.
وبقعدات الصفا بيني وبين نفسي، كنت أصفن وفكّر طيب ليش مابيكون في نظام قائم على المرأة، مش على الرجل.
ياترى كيف ممكن يكون العالم وقتها؟ وشو ممكن يكون اسمه هاد النظام؟
إلى أن جاء يوم … واكتشفت أنه النساء حكموا العالم بالفعل، ووقتها كان النظام مش أبوي، وإنما أمومي! بتصدقي؟
تعالي أحكيلك عنه أكتر … لكن قبل؛
خلينا نفهم أكتر، شو يعني النظام الأبوي؟
النظام الأبوي (Patriarchy) أو النظام البطرياركي؛ مشتق اسمه من اللغة اليونانية، وبيعني حكم الأب، كإشارة لنظام بيسيطر فيه الرجال بشكل أعظم على السلطة الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية، والدينية كمان. وبيورثوه لأبنائهم الذكور … هيك لحتى الله يفرجها.
وهي الامتيازات بتظهر تقريباً بكلشي بنتعامل معه بحياتنا اليومية، من القيود اللي تفرض على النساء باللبس، طريقة الحكي، الضحكة، طريقة المشي، الطريقة اللي بيعيشوا فيها حياتهن، إذا بدهن يشتغلوا أو لاْ، وكل قراراتهن المصيرية .. يعني تقريباً كلشي بيعملوه بحياتهن.
لكن بنفس الوقت الأبوية ما بتاخد شكل واحد بكل مناطق العالم، ولا على مر الزمان كمان، وهاد بسبب اختلاف ثقافة المجتمعات وعقائدها مع اختلاف المناطق، وكمان بسبب الأشواط اللي قطعتها الحركات اللي تحدت الأبوية متل النسوية، واللي تأثيرها بيختلف كمان باختلاف البلاد.
ففي بلدان معينة لسا النساء بتحارب لتاخد أدنى حقوقها متل قيادة السيارة مثلاً، فبالمملكة العربية السعودية قدروا يحصّلوا هاد الحق من 5 سنوت بس، بـ 2018.
وببلاد تانية متل إيران النساء بتنضرب بالطرقات من قبل ما يسمى بـ “شرطة الأخلاق” بالهراوات على رأسها متل مهسا أميني اللي تعرضت للضرب والاعتقال بسبب “عدم ارتدائها للحجاب بشكل لائق” برأي شرطة الأخلاق في 2023.
أما ببلدان تانية متل أميركا مثلاً واللي بيتصور كتيرين وبيآمنوا أنه تحققت فيها المساواة الجندرية والحياة صارت وردية، إلّا أن النساء فيها لسا بيعانوا من تحديات بتفرضها سيطرة النظام الأبوي حتى لو اختلفت أشكاله، أو تخبى تحت ستارات تانية، فبنشوفه مثلاً بالفجوة بالرواتب ما بين النساء والرجال أو بالفجوة بالترقية مابين الرجال والنساء؛ واللي في “سقف زجاجي” غالباً بيخبطوا فيه وبيمنعهن من الترقية -السقف الزجاجي هو مصطلح طلع من أكتر من 40 سنة كوصف لحاجز غير مرئي بيمنع النساء من الوصول إلى مناصب القيادة العليا.
فبالتقرير السنوي اللي بتعمله شركة McKinsey & Company كدراسة لوضع النساء في سوق العمل بالشركات الأميركية واللي طلع سنة 2023 تبين أنه مع ترقية 100 رجل للمناصب القيادية، 87 امرأة بتترقى بالمقابل.
أما بالنسبة للنساء من العرق الأسود فبيـقابل ترقي كل 100 رجل 54 امرأة بس.
بنفس الوقت في تحديات بتتشارك فيها أغلب نساء العالم مع اختلاف خلفياتهن، عقائدهن، ومناطقهن الجغرافية، متل حالة التأهب الدائم بالمواصلات العامة لحماية أنفسهن من التحرش، المشي في الشارع لوحدهن إذا كانت الدنيا ليل، وحتى الطريقة اللي بيلبسوا أو بيحكوا فيها لأنه في خطر محدق من رجل سواء غريب أو قريب، جار أو بعيد.
وهاد ظهر للعالم بشكل واضح بعد ترند #ManVsBear اللي غزى الإنترنت في أول السنة الحالية 2024، واللي قام على سؤال النساء من مختلف الخلفيات لو كنتِ لوحدك بالغابة، بتفضلي يكون معك رجل أم دب؟
وللرجال كان السؤال لو بنتهم بالغابة، بيفضلوا يتركوها مع رجل، ولا دب.
طبعاً فاز الدب بأغلبية ساحقة، مش بس من النساء، من الرجال كمان، اللي اختاروه عن الرجل ليكون مع بناتهم.
لكن كفى … بيكفي عن الأبوية، تعالوا نحكي عن الأمومية
بكتابها (الوجه العاري للمرأة العربية) بتحكي الدكتورة نوال السعداوي عن المرأة والرجل الأوليين، اللي سبقوا آدم وحواء بحوالي المليون سنة، واللي بدأوا يتكيفوا مع الحياة ويطوروا من أدواتهمن وتفكيرهمن ليأمنوا حاجاتهمن متل الأكل، والتكاثر.
وكانت رحلتهمن مشتركة وعم يبذلوا نفس المجهود ليبقوا على قيد الحياة ويطوروا من طرق عيشهمن، ولكن كان للمرأة مكانة أكبر لأنها كانت تجيب الأطفال، بالوقت اللي ما كان يفهم الرجل فيه كيف بيصير الحمل والولادة، فكان يفكر إنه المرأة هي اللي بتخلق الحياة، وصار يعبدها كآلهة للحياة، ويقدس جسمها وأعضائها.
وبيحكي الكتاب كمان على تاريخ مصر الفرعونية القديمة اللي بيدل على وجود آلهة من الإناث متل (ماعت) اللي كانت ربة الحقيقة، و(نايت) إلهة الحرب وإلهة الفيضان، (وإيزيس) و(سخمت) وغيرهن.
ووقتها، ماكانوا الأولاد بينتسبوا لأسماء أبهاتهم وإنما لأمهاتهم، ولهيك انعرف النظام بالنظام الأمومي.
أما نظام التوريث فكمان كان قائم على النساء، فكانت البنت الكبيرة هي اللي ترث بدلاً عن الذكر.
وهي الأنظمة القانونية انعكست كمان على الحياة الاقتصادية فوقتها اعتمد الناس على قطف الثمار، وصيد الحيوانات للعيش، وبالتالي كانوا دائماً (الرجال والنساء والجميع) بحالة ترحال للبحث عن الطعام والحياة، ومفهوم الملكية الخاصة ماكان موجود.
المجتمع كان بلا طبقات، الكل سواسية، لا في سادة، ولا في عبيد. (تقريباً حياة وردية)
مابيوقف الأمر عند الحياة الاقتصادية، لكن كمان على الحياة الزوجية، فكانت النساء حرات في علاقاتهن الزوجية وقادرين على هجر أزواجهن لشركاء آخرين، وبتقول د.نوال كمان أنه في قبائل عديدة كان من حق النساء والرجال أنه ياخدوا لأنفسهمن زوج أو زوجة رئيسيين وعدة أزواج وزوجات احتياطيين
ولما ظهرت الزراعة الأولية تولت النساء أمرها فازدادت أكتر مكانتها الاقتصادية، وتساوت سياسياً ودينياً مع الرجال، وصار الرجل ينتقل لبيت زوجته، أما النسب فبينحدر منها هي، وإذا أظهرت رغبة في الانفصال عنه، فبيرجع لبيت أهله، وبيبقوا الأولاد معها.
لكن الزراعة خلّت الإنسان يشعر بالاستقرار في الأرض، ويشعر بحقه فيها وبأنه بده يورثها لأولاده، وهون بدأ ينشأ مفهوم الملكية الخاصة، وحلت مكان الملكية الجماعية للبطن، ومعها انقسم المجتمع لطبقات بحسب الثروة وانتزع الرجل النسب من الأم ليورث أولاده فقط.
طيب ليش سيطر الرجل بهديك الحقبة وليس المرأة؟
في عدة نظريات بتفسر سيطرة الرجل وانتزاعه السلطة من النساء، وحدة منهم أنه النساء انشغلت بالحمل والولادة لأنه هديك الفترة تطلبت زيادة بالنسل لتعويض الوفيات العالية وزيادة الأيادي العاملة بالزراعة.
ومع زيادة الملكية الخاصة ازداد التمييز الطبقي لحتى وصل لمجتمع فيه سادة وعبيد ومعه سيطر الرجل على المرأة سيطرة اقتصادية اجتماعية سياسية ودينية، فصارت الآلهة ذكور فقط.
خلص يعني … اختفى النظام الأمومي؟
بالحقيقة لا! صحيح أنه بأغلب مناطق العالم اليوم عم تسيطر الأبوية وسياساتها، لكن الأمومية ما اختفت تماماً … تعالي نعمل فتلة على أبرز الأماكن اللي لسا بتحكمها النساء لهاد اليوم
1-موسو
قبيلة موسو الموجودة في الصين هي واحدة من الأمثلة عن الأنظمة الأمومية الموجودة في العالم اليوم، وفيها بتشغل النساء المناصب الأساسية بالقيادة والسلطة على كل شي تقريباً، بما فيها حياتهن الجنسية وعلاقاتهن بالرجال.
ومن الشائع جداً فيها أنه يكون للمرأة عدة شركاء جنسيين من دون أي وصم أو عواقب.
الأطفال فيها بينتموا لأمهاتهمن فقط، ومن الطبيعي أنه ما يعرفوا مين آباءهمن لأنهمن بيولدوا خارج إطار الزواج.
في موسو بتمتلك النساء الممتلكات وبتورثها، وبتزرع المحاصيل في مجتمعهن الزراعي، وبتتولى إدارة الأسرة وتربية الأطفال، أما الرجال فبيتولوا البناء وإصلاح البيوت، والمساعدة في القرارات العائلية الكبيرة، لكن الكلمة الأخيرة دائماً بتكون من نصيب الجدة.
مؤخراً بديت الأمور تتغير بقبيلة موسو بسبب اختلاطها ببقية المجتمع الصيني، بس متل ما عم تتأثر بالمجتمع الصيني، كمان بتأثر فيه وبمعتقداته، فبالصين اليوم لسا بينظر للنساء غير المتزوجات واللي عمرهن فوق الـ27 سنة على أنهن (بقايا) بحسب مقال نشر في الغارديان عن الموسو، وبالتالي مفهوم العزوبية والحرية الجنسية اللي بيمتلكها أبناء قبيلة موسو ممكن يكون إلها دور مع الحركات النسوية التانية بالتأثير بهي المعتقدات في الصين.
2-غارو
في غارو – بنغلادش كمان الأفراد كلهم بينحدروا من نسل الأم، والمرأة بتملك الممتلكات وبترث بشكل أساسي، لكن الرجل أيضاً موجود ليحمي هي الملكية ويشارك بقرارات العائلة.
لكن بالميراث ما بتورث البنات كلهن بشكل متساوي وإنما بيتم اختيار وحدة منهن، غالباً بتكون الأصغر لتورث الحصة الأكبر.
أما الأبناء الذكور بيورثوا حصة أصغر و بينتقلوا لبيت زوجاتهن عند زواجهن.
3-أوموجا
أما في أوموجا في كينيا فالرجال أصلاً ممنوعين من التواجد أو العيش .. فهي القرية بدأت كملجأ للناجيات من العنف الجنسي، وساكناتها عايشين ومبسوطين بمجتمع نسائي فقط!
الساكنات في القرية بيستقبلوا الناجيات القادمات بالاحتفالات والرقص ليرحبوا فيهن بمجتمعهن، بحسب مقال في الغارديان متل (جين) اللي لاقت هاد الترحيب عند لجوئها لإلهن بعد تعرضها للاغتصاب من قبل 3 رجال ومن بعدها الضرب من زوجها لما خبرته.
تأسست القرية في 1990 من قبل نساء تعرضوا للاغتصاب من جنود بريطانيين، وامتدت بعدين لتشمل كل النساء الناجيات من العنف المنزلي، العنف الجنسي، الختان، أو زواج الأطفال.
خاتمة
يمكن المجتمع الأمومي ما يكون خيار قابل للتحقق في الوقت الآني، وممكن أصلاً ما يكون الخيار الأفضل حتى لو كان قابل للتحقق، لكنه حتماً مصدر إلهام وبيقدملنا رؤية بديلة عن صورة لعالم بيختلف بشكل كبير عن العالم اللي عايشين فيه، وبيقدم رؤية مختلفة للعدالة الاجتماعية ولتوزيع السلطة والقوة.
ومع سيطرة النظام الأبوي لفترة طويلة بما فيه من سياسات وقيود على النساء وعلى الرجال كمان، أكيد إجى الوقت اللي نختبر فيه نماذج تانية أكتر شمولية، وأقل إقصائية. ولا شو؟