Skip to content

رحلتي من الأكل في الضلمة، للأكل في الشارع ..

أقل من دقيقة مدة القراءة: دقائق

* تحذير قد يكون المحتوى ذو حساسية

دي رحلتي مع اضطرابات الطعام، رحلة طويلة مشيتها مع معدتي وبطني وكرشي وكل حتة بيدخلها الأكل في جسمي على مدار سنين … علاقة مضطربة مع جسم ملوش ذنب!

الموضوع بدأ لما بدأت ألاحظ إني مبعرفش آكل قدام أي حد، أو بالأصح، مقدرش آكل وسط ناس!

كنت عارفة إن السبب إني ساعات كتير، وفجأة، ببقى عاوزة آكل كل حاجة قدامي بنهم شديد! نهم بيخليني أتكسف لو حد لمحني بس وأنا الأكل في بُقي (فمي) مخلينى مش عارفة أتنفس منه! … بس هو أنا ليه اصلاً اكون بآكل كده؟ مع إني شخص بيقرف يسمع حتى صوت مضغ أكل عادي!

في الأول فكرت يمكن السبب طبقي؟ يعني أنا من طبقة إجتماعية بسيطة، و محدش علمني أكل بطريقة معينة، أنا علمت نفسي.. بس بعد سنين عرفت إن ده ماكانش السبب الحقيقي، دي كانت مجرد فكرة بدور وراها وأنا بحاول أفهم أنا فيا إيه.

هو أنا فيا إيه؟ نوبات نهم، فجعة مش طبيعية، أكل كتير، ثم وجع بطن، ثم تقيؤ! الموضوع كده مش بس إني بآكل بنهم  وإن ده بيسببلي إحراج قدام الناس، لا أنا كمان بآكل كتير وأرجع  (أتقيأ) كل اللي أكلته!

أنا كمان كنت فاكرة إن التقيؤ بعد الأكل لحد ما كل اللي أكلته ينزل من بطني، ده فكرة ذكية عشان آكل كل اللي عايزاه براحتي من غير ما أتخن. بس مع الوقت، التقيؤ ده بقى حاجة مرهقة جداً ومؤلمة لمعدتي ولزوري، و حاجة مُحرجة كمان في أوقات كتيرة.

كنت بغضب من نفسي جداً، وساعات بحرمني من الأكل، علشان أعاقبني لأني متضايقة من اللي بعمله، وفي وقت قررت الجأ لأدوية تخسيس عشان لو جاتلي نوبات النهم وكان صعب عليا أرجع (أتقيأ)، أخد الادوية وأبقى تمام. كان في أنواع أدوية كده خاصة بالدهون، كان سني وقتها 15 سنة، وكانت الادوية دي بالنسبة لي مؤلمة بنفس قدر القئ لإنها بتخليني أحس بألم شديد في بطني بسبب تركيبتها، فبطلتها وأستمريت في القئ كبديل.

خلال الوقت ده كنت بكره جسمي أوي، كنت بحس إنه متركب غلط، وكنت بعمل كل حاجة علشان أخبيه، زي إني ألبس لبس يتوه معالم جسمي وشكله علشان أستخبى فيه.. ومع كل ده انا أصلاً وزني كان تحت الخمسين كيلو!

يعني بأكل بنهم.. خايفة أتخن لدرجة إني بتقيأ كل اللي بآكله.. وأنا أصلاً وزني قليل.. لكن صورتي عن جسمي مضايقاني لدرجة إني بحاول أخبيه طول الوقت!! لا بجد هو في إيه؟

الموضوع ده إستمر سنين، وماكنتش لاقية له تفسير.

لحد ما في يوم بالصدفة وأنا في ثانوية عامة، قريت في كتاب صغير لدكتور نفسي إسمه عادل صادق عن إضطراب إسمه البوليميا، وعن إنه إضطراب من إضطرابات الطعام الصعبة! إذاً إنها البوليميا … طلعت عيانة! (تم التأكيد من خلال تشخيص طبي بعدين!)

أول مرة قرأت فيها الكتاب قعدت أعيط، علشان القصة المكتوبة كانت عن بنت جسمها إتبهدل تماماً بسبب البوليميا وبقى إضطراب مزمن عندها.

فقررت اني لازم أتعامل مع المشكلة.. أول خطوة، لازم أبطل قئ لما تجيلي النوبات، ولازم أروح الجيم.. طحنت نفسي في الجيم، كنت بلعب بشكل مش طبيعي، أول ما تجي لي نوبة نهم، أنزل بعدها ألعب بالساعات لحد ما جسمي يقع من ألم التمرين.

فضلت كده لحد ما حصل لي أزمة، خلت الإكتئاب يمنعني من النزول من البيت، وفي خلال 4 شهور، تخنت 11 كيلو عن وزني اللي كنت عليه. وهنا اختلف نوع نوبات النهم اللي بتجيلي، وبقت نوبات من الحزن بيتبعها نوبات أكل بلا توقف، ومش أي اكل، سكريات وحلويات بس!

رحلة الإدراك  

على الرغم من إني عرفت السبب ورا المشكلة وأتعلمت أكتر عن إضطرابات الأكل وخاصة البويلميا، واتكلمت مع ناس ومتخصصين/ات عنه، وعرفت ازاي ممكن اتعامل معاه، الإضظراب إستمر معايا برضه. أعتقد السبب كان إني حاسة بالخجل ورافضة أعترف لنفسي إن عندي الإضطراب ده.

كنت بكبر وفكرتي السلبية عن جسمي بتكبر معايا. مكنتش طايقة ابص لجسمي في المراية، كنت مهما لبست حلو ولا سمعت أي كلام حلو من حد مبصدقش ولا بشوف ده.. وكانت علاقتي بجسمي هي علاقة خجل وعار.. حاجة طول الوقت مش عايزة ابص لها، ولا عايزة حد يشوفها.. فضلت مخبية جسمي ومستخبية منه أكتر من 21 سنة.

لحد ما أنتبهت إني بعاقب جسمي، كأنه عدوي، وهو مالوش ذنب!

ومن هنا بدأت أفكر، أصلاً مين اللي خلاني مهووسة بوزني كده من طفولتي؟ أكيد مش جسمي الغلبان اللي اتبهدل معايا!

واحدة واحدة بدأت أستوعب… فكرة إني أكون مركزة على وزني وشكلي جت لي من احساسي اني ماينفعش أتشاف “ضخمة” ولا “كبيرة” زي ما بسمع عن ستات حواليا

ماينفعش يبقى لي جسم ظاهر وواضح. ماينفعش يبان إني “ست”، علشان كل الستات اللي حواليا في سياقي الإجتماعي متبهدلين خاصة لو أجسامهن موضحة إنهن ستات.

كوني ست إرتبط في عقلي بإن كل ملامحي “النسائية” لازم تكون مستخبية علشان أعرف أمشي جنب الحيط، وماسمعش كلمتين عن “صدري” في الشارع.

أخدت بالي إن ماما كمان لما اتجوزت كانت 47 كيلو، وفضلت طول حياتها بين ال60 و ال66 كيلو.. وأنا ربطت بين ده وبين إني أنا كمان ماينفعش أتخطي الوزن ده. دي كانت فكرتي من وأنا طفلة بس من غير صياغة واضحة في دماغي… “مامتك رفيعة هتطلعي “تخينة” لمين يعني؟” ده بالظبط كان صوت دماغي.

فهمت ده أكتر لما كبرت وحللت الموضوع جوايا، اني كنت فاكرة انه طول مانا “رفيعة” و “رفيعة أوي كمان” فأنا في الأمان. لحد ما بقيت “مهووسة” بوزني ومش مهم صحتي في المقابل حتى لو هتألم.

رحلة المصالحة المستمرة مع جسمي

الإدراك لأسباب وجذور المشكلة خلاني أبدأ رحلة مصالحة مع جسمي. رحلة المصالحة دي كان فيها برضه نوبات من النهم مستمرة، لكن ماكنتش بلوم نفسي بعدها، ولا بتقيأ ولا بتحرك ولا بعمل رياضة، بآكل وأقول لنفسي “ألف هنا”…. “تلاقيكي كنتي مضغوطة ومحتاجة شوية الكالوريز دي”.

أنا كمان لعبت كل الألعاب مع جسمي عشان نطور علاقتنا … شوية أهتم بوزني والعب شوية رياضة، وشوية أغير نظام أكلي علشان يبقى أخف، وشوية أسيب لوزني المساحة الكاملة ياخدها براحته، واخلي كرشي يتملي لو طلب… بس كل ده وانا عارفة إن جسمي جميل، جميل علشان هو موجود، جميل علشان شايلني ودي مهمته وعارف يعملها.. مهتمي بقى تقدير كل ده و محاولة فهمه.

وشوية بشوية نوبات النهم بقت بتخف، خاصة لما إهتميت إني اتقبلها، وأتعامل معاها زيها زي أي شئ تاني، زي وجع البطن مثلاً، ماينفعش أضرب بطني يعني علشان وجعتني وأقرر أعاقبها!

لسا بعاني ساعات؟ آه بصراحة، بس بقيت أفهم السبب اللي بيخلى النوبة تيجي لي، و أسباب الضغط اللي بيخليني أهرب للأكل. بقيت فاهمة إن جسمي في كل ده هيفضل حلو حتى لو زاد أو خس!

ساعات بفضل أبص للجِتة دي (الجسم يعني) وأقول “والله كتر خيرك، ده انتي شوفتي أيام صعبة أوي ولسا هتشوفي.. فطالما مكملة معايا يبقى محتاجة أعمل معاكي هدنة ونهتم ببعض شوية ونحب بعض”

وأهو لسه بحاول.. بس على الأقل دلوقتي بقيت بأكل في الشارع وسط الناس، مش بس في الضلمة.

رسومات: نوران

كتابة: